قبل أن تتوقف المدافع بوقت قليل بدأ صراع الغنائم.. الكل يتسابق من أجل المساهمة في الإعمار..وعلي الجانب الآخر تشتد الحرب الكلامية بين فتح وحماس من أجل السيطرة علي عملية إعادة الإعمار في القطاع المنكوب...مشهد واحد تكرر في شوارع المدن العربية الكبري.. هنا في القاهرة والمحافظات في الكويت والإمارات.. الخرطوم وطرابلس.. الجزائر والرياض.. فتيات وشبان.. سيدات ورجال يصعدون إلي العمارات أو المؤسسات الكبري أو علي شبكة الإنترنت وفي القنوات الفضائية يطلبون من الناس مساعدة غزة ويقدمون أنفسهم علي أنهم من جمعية أو نقابة او مؤسسة إسلامية أو أصحاب مبادرات خاصة يريدون جمع المساعدات إلي أهالي غزة.. مشاهد الدمار والخراب في القطاع قطعت قلب الجميع.. من الصعب الامتناع عن مساعدة الإخوة والأشقاء الذين ذاقوا الأمرين بسبب العدوان الإسرائيلي الدموي علي القطاع المنهك من الحصار..وهكذا تتدفق المليارات علي القطاع.. لكن شيئا من هذا لم يصل.. أهالي القطاع يصرخون عبر الفضائيات ويؤكدون ان المساعدات لم تصل...أين ذهبت المساعدات؟.
الغريب أن أحدا لم يتوقف ليسأل لمن ندفع كل هذه النقود.. وهل أهالينا في غزة ستصلهم هذه الأموال...وهل نثق في نزاهة من نتبرع لهم.. في أوروبا اشترطت الحكومات الأوربية أن تعرف لمن ستقدم هذه المساعدات..الأوروبيون غير مستعدين لدعم حماس ولديهم شكوك وأدلة علي أن حماس استولت قبل ذلك علي أموال ومنح ومساعدات كانت موجهة لأهالي القطاع، ولكنها لم تصل وأكدت معلومات من داخل القطاع أن مساعدات الأمم المتحدة استولت عليها حماس وأعادت بيعها للناس مرة أخري بهدف التربح منها...المواطن الأوربي يحب التأكد من مصير تبرعاته ولكننا في مصر لاندقق كثيرا في هذا..
ووسط الغموض الذي يحيط بمصير التبرعات وجهت لمؤسسات وجمعيات مجهولة علي الإنترنت نجحت حملات الدعم التي قدمها الحزب الوطني وجمعية الهلال الأحمر المصري في توصيل ما حصلت عليه من معونات إلي القطاع عبر التعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني.
تبرعات الفضائيات
الدكتور علي المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي أكد أنه لايجوز جمع تبرعات إلا بعد حصول الجمعية أو أي جهة ترغب في التبرع لغزة علي إذن جمع مال من الوزارة أو مديريات التضامن حسب القانون سواء جمع تبرعات لغزة أو غيرها وذلك يكون عن طريق فتح حساب بنكي لفترة معينة وبإيصالات محددة وذلك بهدف المتابعة والإشراف حتي لايتحول الأمر إلي عملية نصب علي المواطنين موضحا أنه حذر عددا من الفضائيات المصرية التي تجمع التبرعات لغزة بضرورة الحصول علي إذن مسبق من الوزارة قبل قبول التبرعات حتي لايتحول الأمر إلي فوضي ونحن غير متأكدين من قدرة أي جهة علي إيصال هذه المساعدات أو لا ومن بالتحديد علي الجانب الفلسطيني سيحصل علي هذه الأموال..
وأكد مصيلحي أن القانون يمنع تغيير التبرع تحت أي ظرف فالتبرع لإعمار غزة لايجوز تغييرة لاي نشاط آخر..
وشكك نجاد البرعي الخبير في شئون الجمعيات الأهلية في قدرة الوزارة علي حصر التبرعات الموجهة لمساعدة أهالي غزة وبالتالي قدرتها ضعيفة علي الإشراف الحقيقي عليها خاصة الجهات الموجودة خارج مصر موضحا أن هناك ملايين تم جمعها لدي اتحاد الأطباء ونقابات الأطباء والصحفيين والمحامين والعديد من النقابات بشكل فردي وهو ما يصعب فكرة الإشراف علي هذه الأموال أو توجيهها بشكل سليم مؤكدا علي أهمية تجميع كل هذه الأموال في مكان واحد يخضع لرقابة الوزارة ويتم توضيح تحركات هذه الأموال حتي لاتتحول هذه التبرعات إلي وسيلة للنصب والتربح غير المشروع..
وأكد البرعي أن هناك برامج عديدة جمعت ما يفوق 100 مليون جنيه من المشاهدين ونحن لانعرف أين ذهبت هذه الأموال ولمن تم تقديمها ومن المسئول عن هذه الحسابات ويجب أن تقوم هذه الجهات بتقديم ما يثبت مصادر إنفاق هذه التبرعات والأنشطة التي صرفت فيها هذه التبرعات.
ويقول حافظ أبوسعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومندوب الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في الجامعة العربية إنه فوجيء خلال الأيام الماضية بالعديد من الشواهد التي تضع شكوكا حول جمع التبرعات لغزة مؤكدا أن أغلبية القائمين علي جمع هذه التبرعات مجهولو الشخصية وجهات غريبة موضحا أنه شخصيا فوجي بشخص مقيم في فرنسا مجهول أرسل إليه وآخرين برسالة إلكترونية يعرض عليه المساهمة في إعمار غزة من خلال التبرع لرقم حساب في باريس دون أي توضيح عن طريقة إرسال هذه الأموال إلي القطاع أو من سيتسلمها هناك.
وأكد أبوسعدة أن هناك العديد من النصابين الذين يمكنهم ان يستغلوا حالة التعاطف مع غزة لممارسة عمليات نصب واسعة النطاق للاستيلاء علي هذه الأموال خاصة أن آلية نقل الأموال للمتضررين في القطاع لازالت مجهولة حتي الآن.
وشدد أبوسعدة علي أن الجهة الوحيدة المعنية بجمع التبرعات هي مؤسسة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأنروا وباقي مؤسسات الأمم المتحدة العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية لافتا إلي ضرورة قيام جامعة الدول العربية بجمع كل هذه التبرعات ووضع آلية لتوزيعها داخل القطاع وتكون تابعة لجامعة الدول العربية مشيرا إلي أنه تقرر أن يقام مؤتمر تنسيق المساعدات الإنسانية بشأن غزة يوم 12 فبراير القادم في مصر و يتناول إعادة الإعمار في القطاع علي المدي البعيد.
تكاليف الإعمار
وحسب تقديرات دولية فإن عملية إعادة الإعمار ستتكلف حوالي ملياري دولار و215 مليونا، حيث تسببت الحرب علي غزة في تدمير عشرين ألف وحدة سكنية، ويصل متوسط عدد البيوت السكنية التي يمكن إعادة ترميمها إلي عشرة آلاف وحدة سكنية وتبلغ تكلفة إعادة بناء المباني الحكومية والمؤسسات العامة من بلديات ونواد رياضية 880 مليون دولار ، إلي جانب 65 مليون دولار لإعادة إعمار المساجد والجمعيات الخيرية، و100 مليون دولار لإعادة بناء المطار والميناء، و40 مليون دولار لإعادة بناء مئات المدارس والجامعات ورياض الأطفال. كما تحتاج المصانع والورش وآليات الدفاع المدني ومراكب الصيد والسيارات الخاصة والعامة التي دمرت إلي 55 مليون دولار و75مليون دولار لإعادة إعمار البنية التحتية والطرق والجسور والمياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء والهاتف، و40 مليونا للزراعة والثروة الحيوانية. بالإضافة إلي وجود خمسة آلاف أسرة مشردة وهي في حاجة إلي معونات إغاثية وإيوائية عاجلة بتكلفة عشرة آلاف دولار للأسرة الواحدة لمدة عام إلي حين إعادة بناء بيوتها، فيما تعرضت عشرة آلاف أسرة أخري للتدمير الجزئي ويتطلب ذلك مأوي لمدة عام بتكلفة خمسة آلاف دولار للأسرة الواحدة، فيما يقدر عدد الأسر التي يمكن إعادة ترميم مساكنها بحوالي عشرة آلاف أسرة ويمكن ترميم منازلها بقيمة ثلاثة آلاف دولار للأسرة الواحدة أي بما يعادل 110 ملايين دولار تكلفة تقديرية للإغاثة العاجلة والإيواء لمجموع هذه الأسر.
اتفاق ولكن !
ورغم اتفاق قمة الكويت علي إنشاء صندوق لإعمار غزة إلا أن القمة انتهت دون وضع آلية تنفيذية لتقديم المساعدات التي صرح بها القادة العرب إلي غزة حيث أعلنت المملكة السعودية عن التبرع بمليار دولار لإعادة إعمار القطاع، وتبرعت الكويت ب500 مليون دولار وقدمت قطر قبل ذلك 250 مليونا. لكن دون اتفاق الأطراف علي طريقة صرف تلك الأموال أو جهة تسليمها وربطت تقديم المساعدات بالمصالحة الفلسطينية في الوقت الذي طلبت فية إسرائيل من الأمم المتحدة وغيرها تقديم كشوفات تفصيلية بالسلع والمعدات والعاملين الذين تنوي إدخالهم إلي القطاع سواء للإغاثة الإنسانية السريعة أو للإعمار وأعلنت عزمها مراقبة العملية عن كثب بطلبها الحصول علي موافقتها المسبقة علي كل مشروع علي حدة مع تعهد من أصحاب هذه المشاريع بأن لا تستفيد منها حركة حماس أو حكومتها في غزة أو تنسب الفضل فيها إليها، وقد عين إيهود أولمرت رئيس وزراء اسرائيل وزير الرعاية الاجتماعية اسحق هيرتزوج منسقا لكل جهود إعادة إعمار غزة مع الهيئات الدولية.
وأعلن الاتحاد الأوروبي أنه لن يساهم في إعادة الإعمار إلا إذا توفر في القطاع شريك سلام "قابل للحياة" وبأن المعونات الأوروبية للإعمار لن تكون متاحة لحكومة تقودها حماس..
إسرائيل ترفض
في الوقت نفسه رفضت إسرائيل نداءات دولية بفتح المعابر الحدودية علي نحو كامل مع قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فيما سمحت لنحو 120 شاحنة محملة بالأغذية والأدوية يوميا إلي غزة فيما فرضت قيودا كبيرة علي واردات الصلب والأسمنت والأموال النقدية لإجراء عمليات الترميم كما منعت إسرائيل أيضا السلطة الفلسطينية من ارسال أموال نقدية إلي غزة..
وتحدثت تقارير صحفية عن تبادل الاتهامات بسرقة المساعدات بين السلطة الفلسطينية وحماس حيث ابدت السلطة في رام الله تمسكها بحقها في التنسيق والإشراف المباشر علي إعادة إعمار قطاع غزة، ووضعت الحكومة المقالة في غزة خططا شاملة للإيواء والاغاثة وإعادة الإعمار، مصرة من جانبها علي أن تكون هي جهة التنسيق والإشراف مؤكدة أنها قدمت حتي الآن ما يزيد عن مليوني دولار كمعونات عاجلة لايواء المشردين.